بديعة النعيمي ـ بوابة صيدا
مصطفى محمد ياسين، الطفل الذي ارتقى جوعا على سرير بارد في مستشفى المعمداني في مدينة غزة قبل أيام، هو ضحية جديدة سببها الخيانة والكثير من النذالة.
مصطفى محمد بهزاله الموجع وعظامه البارزة، من الشهادات التي تعدت عشرات الآلاف على انكسار آخر معاقل الإنسانية على أعتاب غزة المذبوحة.
هذا الهزال وتلك العظام الطاهرة فضحت صفقات العار العلنية التي وقعتها أنظمة عربية من أسفل وفوق الطاولة.. أنظمة تعاني التخمة بينما يُمارس أقذر سلاح على أهلنا في غزة، سلاح التجويع، السلاح الأكثر وحشية والأقل ضجيجا. هذا السلاح الذي يُمارس على البطون الخاوية التي أُعطيت شهادات وفاة مؤجلة، شهادات أعطاها العدو ووقعت عليها الأنظمة العربية بالتحالفات الهابطة وسكين الغدر التي قطعت الحبل بأهل غزة علنا وتركتهم في بئر بلا ماء ولا قرار ولم تأت متباكية بقميص عليه دم ذئب.
فحين تغلق المعابر وتمنع قوافل المساعدات التي وعد بها الشيطان "ترامب" من الدخول، وترسل التريليونات إلى واشنطن، بينما أطفال غزة يموتون جوعا على مرمى العصى من حدود عربية، فنحن أمام أكبر خيانة في التاريخ، هي الجريمة التي لا تغتفر. فهل نسي من أعطى "ترامب" تلك الأموال بأن موارد الأمة ليست ملكا لعروشهم الزائلة؟ بل هل نسي هؤلاء بأن ما ينهب من النفط ما هو إلا مشاع يشترك به جميع المسلمين؟ أم أنهم لم يقرأوا قول الصادق المصدوق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال "الناس شركاء في ثلاث.. الماء والكلأ والنار"؟.
أموال النفط التي أُغرقت بها خزائن "ترامب" ذهبت لشراء القنابل التي دكت غزة، كما ذهبت لتشديد الحصار على دخول حليب الأطفال وطحين الأطفال.
ذهبت لإهدار كرامة الرجل والمرأة والطفل في طوابير التكيات التي لا تكفي للجميع، فالمعظم يعود بآنيته الفارغة إلا من الخيبة والخذلان، مكسور الخاطر، يتكلم مع نفسه ويحسب ألف حساب، يرتب عبارات اعتذار لأطفال سيركضون نحوه بأمعائهم الخاوية، يحدقون بآنية يفترض أنها تمتلئ بطعام يسكت تلك الأمعاء الجائعة..
نعم هكذا أصبح حال الناس في غزة، يسيحون في الأرض التي خلت إلا من الدمار يوما كاملا تحت حرارة شمس لا ترحم باحثا عن شيء يسد به رمق أطفاله. أي شيء حتى لو كانت حفنة طحين مخلوطة بالرمل والسوس، غير أن بحثه يذهب في النهاية ادراج الرياح. والنتيجة ألف مصطفى محمد بل آلاف، يصرخون على مدار الساعة من تحت الركام ومن أسفل الخيم المنكوبة الممزقة، ولا يتحرك في العواصم العربية سوى جمع استقبال لمطرب، أو مهرجان سفاهة.
إنه الانكشاف الأخلاقي الغير مسبوق. بل إنها أكثر صفحاتنا سوادا.. نعم أكثرها اسودادا، فحين تضج مواقع التواصل الاجتماعي بحسابات تستعرض أحدث وأرقى صيحات الأكل، وطفل غزة نسي شكل رغيف الخبز وطعمه، فهذا السواد القاتم الذي ملأ القلوب وسيملأ صفحات التاريخ الذي لا يغفر، التاريخ سيسجل هذه المرحلة كعار على جبيننا ووصمة في ضمائرنا لن تُمحى.
مصطفى محمد وغيره الآلاف في غزة ماتوا جوعا بسبب خيانتا وصمتنا جميعا ...
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..