د. صريح صالح القاز ـ بوابة صيدا
جاءت الضربة الجوية التي استهدفت المفاعلات النووية الإيرانية في لحظة بالغة الحساسية، وسط تصاعد غير مسبوق في التوتر الإقليمي والدولي.
لكن اللافت أن هذا الهجوم — رغم عدم مشروعيته وانتهاكه للقوانين والمواثيق الدولية — بدا وكأنه تحقق بطريقة راعت توازنات الأطراف المختلفة، وتماهى إلى حدّ بعيد مع أهم مخاوفهم ورغباتهم في آنٍ واحد.
فبالنسبة لأميركا، بدت الضربة، من حيث طبيعتها المحدودة والفاعلة، تُعد مثالية، لكونها أظهرتها وكأنها ما زالت قوة الردع الأولى على مستوى العالم، وحققت الهدف الاستراتيجي منها دون الانجرار إلى مستنقع عسكري شامل كالذي عرفته في العراق وأفغانستان.
هذا التوازن انسجم مع المزاج العام داخل أميركا، سواء على المستوى الشعبي أو داخل أوساط صنّاع القرار، الذين يعارضون بشدة أيّ تدخل عسكري واسع النطاق قد يُكلّف واشنطن الكثير سياسيًا واقتصاديًا.
أما إيران، فعلى الرغم من الضرر الفادح الذي لحق ببعض منشآتها النووية، فأنها رأت في طبيعة الضربة لم تمسّ بشكل مباشر بُنية النظام السياسي، ولن تمنعها نهائيًا من حقها في التخصيب وهذا الواقع منحها هامشًا كافيًا لاستجماع قوتها.
والتعامل مع الحدث بوصفه عدوانًا خارجيًا على ركيزة من ركائز سيادة دولتها وحقوقها، الأمر الذي مكّنها من استغلال ذلك داخليًا في إطار التعبئة الوطنية، للدعم والالتفاف الشعبي حول الخيار أو الخيارات التي قد تتخذها إزاء ذلك.
بعض دول الخليج، من جهتها، تنفّست الصعداء، كون الضربة لم تشمل مفاعل "بوشهر" الواقع في جنوب إيران، وهو المفاعل الأقرب جغرافيًا إلى أراضيها، ويُعد مصدر قلق دائم نظرًا لاحتمالات التسرب الإشعاعي.
وبالتالي، فإن الضربة من وجهة نظرها تُعد مناسبة؛ لأنها من جهة قد أضعفت إيران نوويًا وهذا أمر يهمها تحقيقه بحق إيران كدولة متاخمة لها وتختلف عنها عقائديًا، ومن جهة أخرى أن الضربة تمت دون أن تخلق تهديدًا بيئيًا أو تداعيات كارثية مباشرًا عليها.
أما إسرائيل، فقد وجدت في هذه الضربة تحقيقًا لهدفها الأساسي: ضرب المفاعلات النووية الإيرانية أو على الأقل أضعفت، وأرجعت البرنامج إلى الوراء.
الصين وروسيا، اللتان تحرصان على الإبقاء على النظام الإيراني، وجدتا في هذه الضربة وسيلة لتحقيق هدف مزدوج: منع إيران من التحوّل إلى قوة نووية مزاحمة ومنافسة لهما في المنطقة، وفي الوقت نفسه، المحافظة على نظام سياسي متماسك يمكن الرهان عليه إلى جانب كل منهما في صراعات النفوذ مع أميركا و الغرب.
فالضربة بهذه الصورة ومن هذا المنظور، لم تُضعف إيران بشدة كحليف استراتيجي لهما، لكنها في الوقت نفسه قيّدت طموحها النوي.
بعض دول أوروبا، بدورها، وجدت ضالتها في ضربة محدودة ومضبوطة قد لا تُدخل المنطقة في حرب شاملة تهدد مصالحها المختلفة، كالطاقة النفطية والغازية.
أخيرًا، فإن دول الجوار الإيراني — كتركيا، وأفغانستان، وباكستان، والعراق، وأذربيجان — رأت في الضربة صيغة مناسبة، إذ لم تُسفر مباشرة عن موجات هجرة قسرية أو اضطرابات أمنية في حدودها أو داخل أراضيها، وهو ما كان يُتوقّع حدوثه في حال تطورت المواجهة إلى نزاع إقليمي شامل.
يمكن القول: إن الضربة الجوية الأميركية غير المشروعة ضد المفاعلات النووية الإيرانية جاءت وكأنها "حل وسط" إقليمي ودولي، راعى خطوط التماس بين المصالح المختلفة، في محاولة لتمرير حدث كبير دون أن يتسبب في وقوع زلزال استراتيجي شامل.
إنه توازن الضرورة، لكننا ما زلنا لا ندري: هل سيتحقق التوازن الذي أُريد للضربة أن تراعيه بدقة كما خُطّط له؟ أم أن الأيام القادمة ستأتي بما قد يُخالف الحسابات الأميركية؟
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..