بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي ـ بوابة صيدا
لما كانت المؤسسات الإنسانية الدولية، الموقعة على البروتوكولات الدولية، والملتزمة بقوانين العمل الإنساني، وصاحبة الخبرة الطويلة في مجال العمل الإنساني، والتي عملت في عشرات الدول، وقدمت خدماتها الغذائية لعشرات الملايين من سكان العالم الجوعى والمعوزين، والفقراء والمعدمين، تعرف أن "مؤسسة غزة الإنسانية" مؤسسة دخيلة على العمل الإنساني، وليس لها سجل تاريخي في هذا المجال، وروادها ينحدرون من المؤسسات الأمنية والعسكرية، ولا علاقة لهم بالعمل الإنساني على الإطلاق، إذ يفتقرون إلى الرحمة والشفقة، ولا يتعاملون مع المحتاجين برفقٍ ولين، بل يمارسون ضدهم القسوة والعنف، ولا يحرصون على حياتهم، بل يتعمدون قتلهم والإساءة إليهم، والتضييق عليهم وإذلالهم.
لهذا طالبت عشرات المؤسسات الإنسانية الدولية، والتي فاق عددها 171 مؤسسة عالمية، متعددة الجنسيات ومختلفة التخصصات، وتتمتع بسجلاتٍ نظيفة في العمل الإنساني، وعلى رأسها وفي هياكلها الإدارية أمريكيون وأوروبيون وبعضهم من اليهود، بوجوب إغلاق هذه المؤسسة وإيقافها عن العمل بقوة القانون في قطاع غزة، ويرون أنها مؤسسة للموت وليست مؤسسة للحياة، وهي لخنق السكان وليست لحقنهم، وهي تخالف كل الأعراف والمواثيق والبروتوكولات الناظمة لعمل المؤسسات الإنسانية.
وتعتبر هذه المؤسسات الإنسانية أن استمرار مؤسسة غزة الإنسانية في العمل جريمة مكتملة الأركان، وهي خدعة تحت المسمى الإنساني الخالي من المضمون، تمارسه الحكومة الإسرائيلية بالتعاون والتواطؤ مع الإدارة الأمريكية، التي هيأت السبل ووفرت الظروف لتمكين المؤسسة وعملها في قطاع غزة، وتؤكد هذه المؤسسات الرافضة لعمل "مؤسسة غزة الإنسانية" أن الذين يديرونها وينظمون عملها إنما هم ضباط أمنيون سابقون، وخبراء في الأمن متخصصون، وشركات أمنية نفعية تسعى للكسب والربح غير المشروع أياً كانت السبل المستخدمة والوسائل المستعملة، وعناصرها تبالغ في استخدام القوة المفرطة وإطلاق الذخائر الحية على منتظري المساعدات، وإصابتهم إصابةً مباشرة في الأجزاء العلوية من أجسادهم، كما أن الذخائر المستخدمة من النوع المتفجر الذي يفتت العظام ويمزق الأنسجة، وهو ما يفسر ارتفاع حالات بتر الأطراف.
إلا أن الإدارة الأمريكية التي أشرفت على تأسيس ونشأة المؤسسة، تصدت بقوة لكل محاولات إغلاقها وتعطيل عملها، وواجهت المؤسسات التي تنتقدها وتعترض على أسلوب عملها والغاية من مشروعها، وعطلت مشاريع عرضها للتصويت على كلٍ من مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، وكانت كلٌ من الجزائر وباكستان قد سعت مع أعضاء آخرين في مجلس الأمن الدولي، لاستصدار قرار دولي يفرض تفكيك المؤسسة، ويخرجها عن القانون، ويبطل عملها، ويطالب باستبدالها.
لم يقتصر التحرك الدولي الرافض لعمل المؤسسة في غزة على الدول العربية والإسلامية، بل إن العديد من الدول الأوروبية وغيرها قد طالبت بوجوب وقف أعمال هذه المؤسسة المزعزعة للأمن، والباعثة على القلق، والمتسببة بالقتل والموت، والمخالفة لأصول العمل الإنساني، والمجافية لقواعد الأمن والسلامة، وتضامنت عشرات المؤسسات الإنسانية بالدعوة إلى وجوب إغلاق هذه المؤسسة، وعدم الاعتراف بها، والعودة للعمل في قطاع غزة تحت سقف الأمم المتحدة ومؤسساتها.
ووصف المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" فيليب لازاريني، المؤسسة بأنها لا تقدم سوى الجوع والرصاص للمدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، وأصر على إنهاء عملها، وتكليف مؤسسة الأونروا بالقيام بمهامها، إذ أنها مجهزة جيداً، ولديها خبرة، وعندها مراكز عمل، وتحظى بثقة السكان، ولا يوجد في سجلاتها أدنى خرق لحقوق السكان المدنية والإنسانية، وعلى المجتمع الدولي أن يتصدى للدفاع عن أخلاقياته ومناقبه الإنسانية، وإلا فإنه يصبح خاوياً بلا معنى، وساقطاً بلا قيمٍ ولا أخلاقٍ.
لما كانت الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية يعرفون المهمة الحقيقية لـــ"مؤسسة غزة الإنسانية"، فقد أصموا آذانهم، وامتنعوا عن الاستجابة كل المساعي الدولية، وأصروا على حصرية توزيع المساعدات لسكان قطاع غزة عبر هذه المؤسسة، وهم يعلمون أنها تحصد كل يوم أرواح عشرات الفلسطينيين وتجرح أضعافهم، لكن حياة الفلسطينيين لا تعنيهم أبداً، ولا تهمهم في شيء، وإنما الذي يعنيهم هو قتلهم جوعاً وذلاً وبالنار، أو دفعهم للهجرة والرحيل، ومغادرة قطاع غزة نحو أي أرضٍ يرونها آمنةً، وبلادٍ يجدون فيها فسحة العيش وأمل الحياة.
يتبع .....
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..