• لبنان
  • الثلاثاء, تموز 08, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 9:06:18 م
inner-page-banner
إسلاميات

المعنى العلمي لمصطلح (الزندقة)

محمد عياش الكبيسي

شاعت هذه الكلمة بعد فتح العراق والتصادم الثقافي بين الإسلام والمجوسية، وأغلب الباحثين يرجعون هذه الكلمة إلى الفارسية.

أطلق المسلمون هذه المفردة -قبل أن يتوسع مدلولها فيما بعد ليشمل كل متلاعب بالدين- على المجوس الذين تظاهروا بالإسلام وأبطنوا العداوة له باعتبارها كلمة مفهومة المعنى بالنسبة إليهم، والتي هي قريبة من معنى (النفاق) عندنا، مع فارق جوهري مهم

فمع أن (النفاق) يطلق على كل من أظهر الإسلام وأبطن الكفر، وهذا هو القاسم المشترك مع (الزندقة) إلا أن المنافق لا يظهر (إسلاما آخر) فالمنافق يصلي مع المسلمين ويقيم معهم الشعائر والأنشطة الدينية والمجتمعية المختلفة، أما الزنديق فهو يسعى لاختراق الإسلام نفسه وباسم الإسلام، وعلى سبيل المثال استهدف الزنادقة مبكرا القرآن الكريم من خلال (التأويل الباطني) واستهدفوا السنّة النبوية من خلال (حركة الوضع) أي وضع الأحاديث المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والباحثون في علوم السنة يؤكدون أن أهم أسباب الوضع وأخطرها إنما هي الزندقة، في حين أن حركة النفاق في أوج شدتها لم تفكّر بهذه الأساليب.

لقد استهدف الزنادقة كل شيء في الإسلام: التوحيد، والوحي، والنبوة، والرسالة، والشعائر، والأحكام الشرعية، حتى الكعبة والمسجد، فقد صنعوا لكل أصل من أصول الإسلام بديلا. وقد غطوا مشروعهم التخريبي هذا بغطاء سميك من (العواطف الجياشة) التي تتجدد في (مناسبات مختارة) وبعناية فائقة.

ولتقريب الصورة أكثر، لنسأل كيف انحرفت النصرانية من (التوحيد) إلى (التثليث)، ومن (العلم) إلى (الخرافة)؟ وكيف أفرغت من مضامينها وغدت مجرد احتفالات ومناسبات وقشور فارغات؟

لقد ضرب شاوول الذي سمى نفسه (بولص) على وتر العاطفة تجاه السيد المسيح، واستغل مأساة صلبه -كما في عقيدة النصارى- لتمرير كل ما يناقض أصل رسالة المسيح نفسه.

وقد يتعجب البعض من أن الإنجيل الحالي يضم 14 رسالة لبولص، بينما لا يضم سوى 4 رسائل عن سيرة السيد المسيح، وليس هناك رسالة واحدة فيها نص كلام الله تعالى!

لقد قبل النصارى بهذا التحريف الواضح، لأن شاوول ضمن في رسائله كل معاني الغلو والمبالغة في شخص السيد المسيح، فصار الذي يشكك بهذه الرسائل كأنه يشكك بحبه للسيد المسيح.

ولقد سجل القرآن جوانب ممّا قامت به حركة بولص وغيره من أئمة الضلال والتحريف فقال: (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب . ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم)

لقد عصم الله تعالى القرآن الكريم من أي تحريف بزيادة أو نقص أو تبديل -على خلاف ما يصرح به بعض الزنادقة اليوم-، فقال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) ولذلك فنحن مطمئنون على الإسلام تمام الاطمئنان، وأما المسلمون فهم بقدر اتصالهم بهذا القرآن وتمسكهم به تلاوة وفهما وعملا يحصّنون أنفسهم من كل مزالق الفتنة والانحراف، وكلما ابتعدوا عن القرآن كانوا أقرب إلى الوقوع في الهاوية.

إن المنتسب للإسلام الذي يقيم تصوراته عن الإسلام من خلال (الروايات العاطفية) بعيدا عن القرآن الكريم وثوابته وأولوياته لن يكون مصيره بأفضل من أولئك الذين غلّبوا روايات (بولص) على كلام الله المنزل، إنه بالتدريج سيتحوّل من عبادة الله إلى عبادة البشر، وسيتحول إسلامه إلى مجرد مناسابات عاطفية وجدانية، وشعائر وطقوس مصطنعة.

وهنا لابد من التذكير بواجب العلماء في تبيين الحق للناس، وإماطة الشبهات عنهم، فهذه هي مهمتهم الأساس، وهي مهمة النبيين -عليهم الصلاة والسلام- (لتبيّن للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون)

أما العالم الذي يلوذ بالصمت -إن لم يكن مكرها- فإني والله أخشى عليه من الدخول في قوله تعالى: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون)، أما إذا وصل الأمر إلى تمجيد الزنادقة والترويج لرموزهم وتزكيتهم أمام عامة الناس، فهذا والله الهلاك الذي ما بعده هلاك، نعوذ بالله تعالى.

اللهم سلمنا وسلم ديننا

اللهم نسألك الثبات وحسن الخاتمة

وصلّ اللهم وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وارزقنا محبته واتباعه، وشفاعته يوم الدين.

 

ــــــــــــ

إقرأ ايضاً

دلل نفسك بحرمانها !

يَا مِسكِينُ!

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة