أمل شموني ـ نداء الوطن
دخل الحوار الأميركي اللبناني حول نزع سلاح "حزب الله" مرحلة محورية، بدأت تتسم بمزيج من الإلحاح الأميركي والإسرائيلي والتشكيك في القدرات اللبنانية وصولًا إلى التعقيدات الإقليمية.
وتشير المصادر الأميركية إلى أن الإقتراح المقدم من واشنطن كرد على رد الجانب اللبناني، يقترح جدولًا زمنيًا لا يتعدى أربعة أشهر لنزع سلاح "الحزب"، ويترافق مع خطوات متبادلة تسعى إلى التوافق ووقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل. لكن مع تطور هذه الأحداث، أصبحت التحديات الكامنة في هذا المسعى الدبلوماسي أكثر وضوحاً، وأبرزها معادلة نزع سلاح "حزب الله" وكل السلاح غير الشرعي على كامل الأراضي اللبنانية مقابل التصعيد العسكري واهتزاز الاستقرار في لبنان.
وتواجه الولايات المتحدة وضعًا صعبًا في محاولاتها لدفع لبنان للمبادرة العملية لنزع السلاح. وقد أعرب مسؤولون أميركيون عن رغبتهم في إحراز تقدم، مُصرّين على جدول زمني مُنظّم يُلزم "الحزب" بالتخلي عن الأسلحة الثقيلة.
لكن مصادر البيت الأبيض بدأت تشعر بنفاد الصبر من وتيرة المفاوضات التي تعكس مبدأ "راوح مكانك"، وتلفت إلى أن السفير الأميركي توم برّاك سيقوم بمحاولة جديدة "يفرض" خلالها على الجانب اللبناني الالتزام بالجدول الزمني المحدد. وهنا بيت القصيد، بحسب ما قالت كبيرة الباحثين في معهد واشنطن حنين غدار لـ "نداء الوطن"، فالفارق الرئيسي بين ما تطالب به واشنطن وما تطلبه بيروت هو الالتزام بالجدول الزمني مقابل غيابه أو تمييعه وإيجاد أسباب لعدم تنفيذه. "فوجود جدول زمني يعني سياسة فعلية قائمة على المواجهة مقابل الرغبة في عدم المواجهة".
وكانت المعلومات قد أشارت إلى أن الولايات المتحدة قد وضعت مع الجانب اللبناني خطة عملانية من ثلاث مراحل لنزع سلاح "الحزب" والسلاح الفلسطيني، تهدف في البداية إلى سحب الأسلحة من المناطق الواقعة شمال وجنوب نهر الليطاني، يليها نزع السلاح في بيروت وسهل البقاع. إلا أن الحكومة اللبنانية أبدت تحفظاتها بشأن الالتزام بمواعيد نهائية صارمة، حيث أبرز رد الرئيس جوزاف عون، المؤلف من سبع صفحات، التعقيدات الداخلية في لبنان.
وأشارت غدار إلى أن رد الجانب اللبناني أبدى رغبة في تنفيذ نزع السلاح غير الشرعي، لكنه أشار إلى "أننا سنفعل ذلك بطريقتنا الخاصة وفي الوقت الذي يتناسب معنا من دون ضغوط".
في هذا الإطار، أكدت غدار أن "حزب الله يعتقد أنه إذا تخلى عن سلاحه سيخسر الانتخابات، وهو يفاوض الحكومة اللبنانية على الاحتفاظ بسلاحه حتى ما بعد الانتخابات. وهو ما لا تقبل به واشنطن وتعتبره انحرافًا كبيرًا عن أولويات الولايات المتحدة، التي تهدف إلى نزع سلاح "الحزب" الآن من أجل انتخابات برلمانية أكثر حرية".
وتشير أوساط أميركية إلى أن واشنطن وجهت للمسؤولين اللبنانيين إنذارًا نهائيًا بضرورة نزع سلاح "حزب الله" وتنفيذ الإصلاحات المالية، وقال الدبلوماسي الأميركي ديفيد شنكر، إن هذا التلكؤ محبط وأن أنظار واشنطن ودول الخليج بدأت تتحول بشكل متزايد نحو أولويات إقليمية أخرى.
ورغم أن قيادة "حزب الله" لا تزال تشكل عاملًا مهمًا في هذه المناقشات، وهي تؤكد بلسان رئيس مجلس النواب نبيه بري أن أي نزع للسلاح يجب أن يكون مشروطًا بوقف الاعتداءات الإسرائيلية وانسحاب شامل للقوات الإسرائيلية. إلا أن واشنطن تشدد على أن زيارة برّاك المقبلة ستكون "نقطة تحوّل" بحسب مصادر قريبة من البيت الأبيض.
في موازاة ذلك، تتطور النقاشات حول دعم الجيش اللبناني في الكونغرس، فقد سلّط عضوا الكونغرس من أصل لبناني دارين لحود وداريل عيسى الضوء هذا الأسبوع على أهمية هذا الدعم في مواجهة "حزب الله". ففي معرض معارضته للتعديل المطروح في الكونغرس والذي يسعى إلى وقف تقديم المساعدة للجيش اللبناني، قال لحود: "إن دعم الجيش اللبناني مهم ليس فقط لأمن لبنان، بل أيضًا لاستقرار الدول المجاورة ولمصالح الولايات المتحدة... إن إلغاء التمويل العسكري عن الجيش اللبناني الآن لن يؤدي إلا إلى زيادة قدرات حزب الله". بدوره، أكد عيسى بأن التعديل "مُضلّل"، مشددًا على "أهمية التزام الولايات المتحدة بدعم الجيش اللبناني لضمان الاستقرار ومواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة".
ويزداد الوضع تعقيدًا مع تأكيدات الجانب اللبناني أن "حزب الله" قد تم نزع سلاحه جنوب نهر الليطاني، وهو تصريحٌ "غير دقيق" بحسب غدار، "إذ لا يزال موجودًا في الجنوب"، مضيفة أنه "من وجهة النظر الأميركية، يجب أن يشمل نزع السلاح جميع أنحاء لبنان، وليس منطقةً محددةً فقط".
ويشير عدد من المراقبين بأن زيارة برّاك المتوقعة إلى بيروت، ستكون حاسمةً في تحديد المسار المستقبلي لهذه النقاشات، بينما يُعرب الجانب اللبناني عن رغبته تذليل إشكالية السلاح بالحوار. إلا أن درجة الالتزام بإيجاد حل لا تزال غير مؤكدة، بحسب واشنطن. وتشير غدار إلى أن "المشكلة الرئيسية تكمن في انعدام الثقة بالجانب اللبناني"، وهو ما يخلق تداعيات كبيرة. وتؤكد غدار أنه إذا تخلت واشنطن عن ملف لبنان لا يعني بالضرورة أن اللبنانيين سيكونون أحرارًا في حلّ معضلة السلاح حسب ما يرونه مناسبًا.
في هذا الإطار، بدأت تتعالى أصوات في واشنطن داعية إلى اتخاذ إجراءات ملموسة لمعالجة الاختلاف بين الاستراتيجيات الأميركية واللبنانية في ما يتعلق بنزع سلاح "حزب الله". وفيما يؤكد لحود وعيسى أن الحفاظ على دعم الجيش اللبناني أمر بالغ الأهمية، دعا آخرون إلى تفعيل موضوع العقوبات ضد الشخصيات اللبنانية التي تعمل على عرقلة الإصلاح وجهود نزع السلاح.