عمر نشابة ـ الأخبار
يكثر الحديث عن «نزع سلاح المقاومة» و«حصر السلاح بيد الدولة» وشعارات أخرى انتشرت في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وصالونات السياسة، بعد إعلان الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بأنّ لبنان دخل في مرحلة جديدة منذ تمكّن الجيش الإسرائيلي من اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين وعدد كبير من قادة المقاومة.
ويتحمّس كثر ممّن يسمّون أنفسهم «سياديين» و«وطنيين» لمهاجمة حزب الله، ويستفيض خبراء في القانون الدولي ومراجع دستورية ومحلّلون على أنواعهم وأشكالهم في شرح قرارَي مجلس الأمن 1559 و1701 و«اتفاق» وقف إطلاق النار (علماً أنّ لا وجود لهكذا «اتفاق»، بل يقتصر الأمر على «إعلان وقف الأعمال العدائية»، وهو مبنيّ على ما ورد في نص القرار 1701)، كل بحسب توجّهاته وطموحاته ومآربه.
فيتناسون الفقرات التي تفرض انسحاب العدو الإسرائيلي ووقف الأعمال العدائية، ويشدّدون على فقرات أخرى في نص القرارين تتناول حصر السلاح بالدولة، متجاهلين كذلك القرارين 425 و242 (انسحاب الجيش الإسرائيلي من الضفّة الغربية وغزة والجولان والقدس الشرقية) والقرار 338 (عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم) والقرار 1515 (قيام دولة فلسطينية) وغيرها من القرارات.
ورغم معرفتهم بأنّ القانون الدولي لا يجزّأ وأن كل قرارات مجلس الأمن ملزمة قانونياً، وتشكّل إطاراً لـ«السلام الشامل والعادل» (كما ورد حرفياً في الفقرة 18 من القرار 1701 التي أشارت إلى أنّ مجلس الأمن الدولي «يؤكّد أهمية وضرورة تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط استناداً إلى جميع قراراته ذات الصلة»)، يصرّون على الانتقائية خدمةً لأهدافهم السياسية وانحيازهم الفئوي، أو استجابة للضغط الهائل الذي تمارسه السفارات الأميركية والسعودية والخليجية عليهم وعلى وسائل الإعلام.
صحيح أنّ انتشار السلاح مع حزب من الأحزاب في أي بلد في العالم، في ظلّ وجود الجيش الوطني، مخالف للدستور وللقوانين وللأصول الديمقراطية، لكن هذه القاعدة لا تنطبق في حال وجود احتلال خارجي لأجزاء من البلد، وفي حال عجز الجيش الوطني عن إعادة الأراضي المحتلة لأصحابها. اللبنانيون في الجنوب لا يرضخون للدولة، بل هم جزء لا يتجزّأ منها، فإذا عجزت مؤسّساتها العسكرية عن الدفاع عنهم وعن حقوقهم وقراهم وأملاكهم، جهدوا لتغطية هذا العجز بأرواحهم وبسلاحهم.
جيش العدو الإسرائيلي يصرّ على تجاوز القانون الدولي عبر رفضه الانسحاب من جنوب لبنان والجولان والضفّة الغربية والقدس وغزة، لا بل إنه يوسّع احتلاله لسوريا وغزة والضفّة الغربية، بينما يصرّ بعض اللبنانيين على أنّ «نزع» سلاح المقاومين للاحتلال سيؤدّي إلى سلام واستقرار وازدهار وغيرها من الأمنيات البعيدة عن الواقع.
جيش العدو الإسرائيلي يتمادى منذ 21 شهراً في ارتكاب أفظع الجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وجرائم الإبادة الجماعية بينما تسعى بعض الأبواق في وسائل الإعلام لإقناع اللبنانيين بأنّ الحلّ هو الرضوخ للمجرم. ويرفض البعض مراقبة ما حدث في سوريا حيث استسلمت الدولة للكيان الإسرائيلي بالكامل ورضيت بالتنازل عن الجولان وعن جبل الشيخ.
وبدل أن يعمّ السلام والازدهار والاستقرار في سوريا بعد ذلك، احتلّ جيش العدو درعا وقصف ساحة الأمويين ودمّر ما تبقّى من الجيش السوري من دون أن يجرؤ أحد على مواجهته.
لا يزال البعض في لبنان ينكر حتى اليوم (خصوصاً اليوم) أنّ سلاح المقاومة في الجنوب هو الذي حرّره من الاحتلال الإسرائيلي بين 1978 و2000، وليس القرار 425 ولا الجهود السياسية والديبلوماسية. وبما أنّ الأميركيين والأوروبيين يمنعون تزويد الجيش اللبناني بأسلحة تسمح له بمواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي، لا بدّ من قوة مسلّحة بديلة للقيام بهذا الواجب الوطني.
وإذا كانت أسلحة المقاومة في المعركة الأخيرة غير قادرة على مواجهة العدو فهذا يعني أنها لم تكن متطوّرة بالشكل الكافي ولا بدّ من تطويرها وتكثيفها وحمايتها بفعالية أكبر.
أمّا إذا أرادت الدولة تجاوز ذلك وأصرّت على «نزع» سلاح المقاومة، فلا شكّ أنّ وطنيّتها تملي عليها «نزع» سلاح غير اللبنانيين قبل «نزع» سلاح اللبنانيين.
فلماذا لا يتّخذ مجلس الوزراء وقيادة الجيش قراراً بـ«نزع» السلاح في مخيم عين الحلوة للّاجئين مثلاً؟ وليتفضّلوا إذا كانوا فعلاً صادقين ببسط سيادة الدولة على جميع الأراضي اللبنانية.
ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة في الجنوب شكّلت الضمانة للقضاء على ذكريات ماضٍ أراد الجنوبيون نسيانه، حين انشقّ جزء من الجيش اللبناني وشكّل بعض ضباطه وعناصره «جيش لبنان الجنوبي» العميل للكيان الإسرائيلي. والمطلوب اليوم من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والحكومة أن يتذكّرا بأنّ الشعب هو مصدر السلطات كما جاء في الدستور. اسألوا الشعب اللبناني في الجنوب ماذا يريد، ثم افعلوا ما تشاؤون.
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..