نوال برّو ـ نداء الوطن
في عالم أصبحت فيه هواتفنا مركزًا لأسرارنا، لم يعد الأمن الرقمي مجرد أمر تقني عابر، بل تحوّل إلى قضية وجود، تلامس خصوصية كل فرد منا. وهكذا أصبحت حياتنا شفافة، ربما إلى درجة مخيفة وإن استغنينا عن هواتفنا، لن نتمكن من محو كل الأجهزة والتقنيات الحديثة المحيطة بنا، التي تشكل وسيلة مثلى للخرق والتجسس وملاحقة الشخصيات، وخير دليل، الحرب السيبرانية التي شنتها وما زالت تشنها إسرائيل على قياديي "حزب الله" في لبنان.
السؤال الذي يطرح: هل يمكن للفرد أن يحمي نفسه بالكامل من المراقبة أو الاختراق الرقمي؟
الجواب هو لا، وفق مستشار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عامر الطبش. وفي حديثه عن أبرز الثغرات التي يستغلها المخترقون، يشير إلى أن "الأنظمة غير المحدثة كالـ Windows والـ Android تشكل منفذًا أساسيًا للخرق"، لافتًا إلى أن "كلمة السرّ الضعيفة لشبكة الـ Wi-Fi قد تتيح التجسس على الشبكة بأكملها". كما يحذر من "تحميل التطبيقات من خارج المتاجر الرسمية مثل Play Store وApp Store أو الضغط على الروابط المضلّلة التي تصل على شكل عروض عمل أو مسابقات مزيفة".
وللحدّ من خطر هذه الاختراقات، ينصح الطبش "بتحديث أنظمة التشغيل والتطبيقات بشكل دائم لإغلاق الثغرات، وتفعيل المصادقة الثنائية (2FA) على الحسابات الإلكترونية لتأمينها بطبقة تحقق إضافية، إضافة إلى تجنب الضغط على الروابط غير الموثوقة والانتباه عند استخدام شبكات الـ Wi-Fi العامة حيث يُستحسن تشغيل VPN". كما يدعو إلى "استخدام تطبيقات إدارة كلمات المرور مثل Google Authenticator وMicrosoft Authenticator التي تتيح الدخول الآمن إلى الحسابات بطريقة محمية". وبما أن أكبر مصدر لحصاد البيانات والمعلومات هو منصات التواصل الاجتماعي، حيث تجمع الاهتمامات والموقع الجغرافي والعلاقات والسلوك النفسي، وحتى نوايا الأشخاص، بموافقة مسبقة منهم، ينصح الطبش من يخشى على خصوصيته أن يتجنبها.
ولكن ما يجب الإشارة إليه هو أن كل هذه الاحتياطات لا تصمد أمام أدوات التجسس المتقدمة مثل Pegasus وPredator.
أما عن المؤشرات التي قد تدل على أن الجهاز مخترق، فيوضح الطبش أنها تشمل "ارتفاع حرارة الهاتف أو نفاد البطارية بسرعة، الاستهلاك غير المبرر للإنترنت، ظهور الإعلانات أو النوافذ المنبثقة المفاجئة، كلها علامات تدل على وجود اختراق". ويضيف أن "الهواتف الحديثة تظهر إشارة عند استخدام الكاميرا أو الميكروفون، لذا فإن ظهورها في أوقات غير متوقعة قد يكون دليلًا على أن الجهاز مراقَب". ولكن الهجمات عالية المستوى التي تتم عبر pegasus مثلاً فلا تترك أثرًا ظاهرًا للمستخدم.
وأمام هذا الواقع المخيف، يُطرح سؤال بديهي حول دور الدولة اللبنانية في حماية مواطنيها من التجسس والاختراق، سواء أتى من أفراد أو دول. يشرح الطبش أن "المشكلة تكمن في غياب بنية سيبرانية مؤسساتية، إذ لا جهة رسمية تُعنى بالأمن السيبراني المدني". ويشير إلى أن "المسؤولية اليوم موزعة بين وزارات الاتصالات والداخلية والدفاع والعدل من دون تنسيق فعلي"، مؤكدًا "ضرورة إنشاء هيئة ناظمة تضع استراتيجية وطنية للأمن السيبراني تُلزم بها الوزارات كافة". وما زاد في الطين بلة هو أن "لبنان خسر بعد الأزمة الاقتصادية عددًا كبيرًا من الكفاءات، ويعاني ضعف الموارد وغياب التشريعات الحديثة لحماية البيانات وملاحقة الجرائم الإلكترونية"، وفقاً له.
هل اختفت خصوصيتنا؟
الخصوصية لم تختفِ تمامًا، لكنها أصبحت مكلفة وصعبة المنال لا سيما أن المستخدم اليوم مراقَب من كل الجهات: الهاتف، الكومبيوتر، الصراف الآلي، الكاميرات في الشوارع وحتى السيارات الذكية. ولذلك يرى الطبش أن "ما نراه من سهولة تنفيذ إسرائيل عمليات اغتيال لقادة "الحزب" هو نتيجة الروتين اليومي في استخدام الوسائل الرقمية".
إذًا وبينما بتنا نعيش في بيت من زجاج، تقع علينا مسؤولية الوعي الدائم واتخاذ الحد الأدنى من الحيطة والحذر لحماية خصوصيتنا، بانتظار وعي الدولة لخطورة هذه القضية.
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..