• لبنان
  • السبت, أيار 03, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 6:51:15 ص
inner-page-banner
مقالات

الأحمق عندما يحكم.. ترامب مثالاً

عبد الباسط ترجمان ـ بوابة صيدا

على مر التاريخ تسلط على البشرية الكثير من الحكام الذين اتخذوا قرارات فيها "حُمق" أو "غباء" أو قرارات غير مدروسة" مما أدى إلى خراب البلاد ودمارها.. وارتكاب المجازر بالشعوب وإبادتها.. فضلاً عن خسارة هذا المتسلط، لحكمه، وانتهاء حياته إما قتلاً أو انتحاراً..

والأسباب المؤدية إلى "الحماقة" في الحكم، قد تكون، جنون العظمة، أو الغرور، أو الأمراض النفسية، أو الجهل بالحكم، أو التعطش لسفك الدماء.. والاستمتاع بالدمار..  

وإذا اردنا أن نسرد اسماء بعض هؤلاء الذين مروا في التاريخ، واتصفت قراراتهم بـ "الغباء" أو "الحماقة" لا بد لنا أيضاً، أن نتحدث عن "احمق العصر" الذي نعيش فيه، الذي نصّب نفسه "إلهاً" للكون، يهدد هذا البلد، ويتوعد تلك الدولة، ويبيع هذه الأرض، ويتعالى على البشرية، بـ "غباء" واضح وبيّن..

ولنعد إلى التاريخ لنفتح صفحاته، ونورد نماذج من سير هؤلاء القادة "الحمقى"، فمثلاً:

الإمبراطور الروماني "كاليغولا": (حكم من سنة 37 إلى 41م) كان قاسياً، ومجنوناً، وأيضاً استحكم فيه الحمق والغباء حتى قام بتعين حصانه عضوًا في مجلس الشيوخ، ولم يكتفِ بذلك، بل أيضاً أعلن حربه على "البحر" فأمر جنوده بطعن الأمواج.. وأدت قراراته إلى اغتياله على يد أحد حراسه..

وأيضاً الإمبراطور الروماني "نيرون": سطر التاريخ قسوته وجنونه، فقد أحرق روما سنة 64م، وجلس يستمتع بمشاهدة الناس وهي تحترق، والبيوت تلتهمها النيران.. كما لاحق أتباع السيد المسيح عليه السلام بوحشية، وقتلهم في الشوارع، وكانت نتيجة هذه القرارات، ثورة شعبية، أدت إلى انتحاره..

ومن العالم الإسلامي، نذكر نماذج أيضاً، منهم، آخر الخلفاء العباسيين في بغداد "المستعصم بالله" فقد اشتُهر بضعف شخصيته، و من حماقته تولية الشيعة "أعداء الدولة العباسية" المناصب العليا، والركنون إليهم في قرارات الدولة المصيرية، فقد أقنعه وزيره الشيعي ومدبر شؤون دولته "ابن العلقمي"، أثناء هجوم التتار على العالم الإسلامي، بأن يخفف من عديد جنود جيشه، فلا حاجة لكثرتهم، ونفذ الخليفة طلبه، فضعف الجيش العباسي، و رتبَ "ابن العلقمي" مع هولاكو قتل الخليفة واحتلال بغداد في عام 1258م، ونقل الذهبي: «وبقي السيف في بغداد بضعة وثلاثين يوما، فأقل ما قيل: قُتل بها ثمان مائة ألف نفس، وأكثر ما قيل: بلغوا ألف ألف وثمان مائة ألف، (أي مليون وثمانمئة ألف) وجرت السيول من الدماء، فإنا لله وإنا إليه راجعون».

وأيضاً من القادة الذين اتخذوا قرارات توصف بالـ "الحمق والغباء" الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، فجنون العظمة التي كان يتصف بها، وقراراته الكارثية على ليبيا، ودخوله حروبا خاسرة، أدت إلى انتفاضة شعبية في عام 2011م، وتسبب جنونه في قمع الانتفاضة إلى تدخل عسكري غربي، مما أدى إلى مقتله على يد الشعب الليبي.. وانهيار الدولة، وقيام حرب أهليه، ذهب ضحيتها الكثير من الليبيين..    

ولو اردنا أن نستعرض في عصرنا نماذج من حكام اتصفوا بـ "الغباء" و "الحمق" و "الغطرسة" فلا بد لنا أن نقف عند الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"..

ولنعدد بعضاً من قراراته التي وصفت في فترة رئاسته الأولى بأنها قرارات "خاطئة" أو "حمقاء":

تقليله من خطورة جائحة كوفيد-19 وتأخره في اتخاذ إجراءات وقائية، بل ترويجه معلومات غير مثبتة علميًا، مثل اقتراح استخدام هيدروكسي كلوروكين أو حقن المطهرات كعلاج، مما أدى إلى ارتفاع كبير في عدد الإصابات والوفيات في الولايات المتحدة.. إذ بلغت أكثر من مليون حالة وفاة، فيما بلغ إجمالي عدد الإصابات في أميركا أكثر من 76 مليون إصابة..

ومن قراراته التي وصفت أيضاً بـ "الحمقاء" محاولته إلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية بعد خسارته في انتخابات عام 2020، بزعم حصول تزوير، و أدت هذه الادعاءات إلى اقتحام أنصاره مبنى الكابيتول في 6 كانون الثاني / يناير 2021، وكاد أن يؤدي تحريضه لمناصريه إلى اقتتال بين الشعب الأمريكي..

وفي رئاسته الثانية (عام 2025) فقد اتخذ قرارات لا يمكن اعتبارها إلا قرارات "حمقاء" أو قرارات "غبية"..

مثلاً: تصريحه الشهير بتهجير أهل غزة إلى مصر والأردن، أو اي مكان في العالم، ضمن خطة للسيطرة على غزة، وتحويلها لـ"ريفييرا الشرق الأوسط"، مما استفز الدول العربية والإسلامية، ودول العالم، واجمعوا على رفضهم لهذه الخطة.. وذهب بعض المحللين إلى وصف طرحه بأنه طرح "غبي"..

وأيضاً تصريحه الدائم بأنه "رجل سلام" وأنه يعمل على "إحلال السلام" في العالم، وإذ به يمد دولة الاحتلال الصهيوني بأشد أنواع الأسلحة فتكاً، ودعمهم المطلق في حربهم على غزة، ولبنان، وأيضاً بدء حربه على الحوثيين في اليمن، في المقابل تهديده الدائم لحركة حماس بفتح “أبواب الجحيم” إذا لم يتم الإفراج عن جميع المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة.. فكيف يمكن الجمع بين رجل سلام يسعى للحصول على جائزة نوبل للسلام، وبين داعم للإبادة الجماعية في غزة، ولبنان وسوريا، وشنه حرباً على اليمن، وتهديد إيران بعد حشد الكثير من آلته العسكرية في المنطقة أو قريباً منها، وتهديد من يرفض قراراته بـ "الحرب"..

وأيضاً من قراراته "الحمقاء" مطالباته بجزيرة "غرينلاند" وهي أكبر جزيرة في العالم، ولكنها الأقل سكانا، ويغطيها ثاني أكبر غطاء جليدي في العالم بعد القارة القطبية الجنوبية، وهي إقليم ذاتي الحكم تابع للدنمارك، وأنه (اي ترامب) إن لم يحصل عليها بالمفاوضات، فالحل العسكري مطروح.. رغم أن سكانها يرفضون الانضمام إلى الولايات المتحدة..

وأيضاً مطالبته بأن تصبح "كندا" الولاية الأميركية رقم 51، وقام بفرض ضرائب ورسوم عليها، بعد رفض عرضه، علماً أن مساحة كندا، أكبر من مساحة الولايات المتحدة الأمريكية..

وأيضاً تهديده بالاستيلاء على قناة "بنما"، مكررا اتهامات سابقة بأنها باتت تخضع لنفوذ الصين، و لم يستبعد ترامب استخدام القوة العسكرية للسيطرة على هذا الممر البحري الحيوي.

كما قامت إدارته بقرار منه بتغيير اسم خليج المكسيك إلى خليج أميركا، وإجبار شركة "غوغل" على تغيير اسم الخليج في خرائطها.. 

وأيضاً، أوكرانيا، التي طالبها بنصف معادنها الثمينة، مقابل الأموال التي أُنفقت لتمويل حرب روسيا عليها، دون أي ضمانات بالدفاع عنها.. ولا ننسى تعامله المذل مع الرئيس الأوكراني، وطرده من البيت الأبيض..

وقراره بفرض رسوم جمركية على معظم دول العالم مدعياً بالقول: “لقد تعرضت بلادنا للنهب والسلب والاغتصاب والتدمير من دول قريبة وبعيدة، حليفة وعدوة على حد سواء” وقال: "ستكون الرسوم الجمركية أعظم شيء قمنا به على الإطلاق كدولة. وسوف تجعل بلادنا غنية مرة أخرى".

وقد أدى قرار ترامب بفرض رسوم جمركية إلى خسائر فادحة في البورصات الأمريكية والعالمية، وقد وصل انخفاض أسهم بعض الشركات إلى حوالى 13% في يومها الأول..

و هاجم الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبر منصة "X" منتقدي الرسوم الجمركية واصفا إياهم بـ"الجبناء والحمقى"، وكتب: "لدى الولايات المتحدة فرصة للقيام بشيء كان ينبغي القيام به منذ عقود.. لا تكونوا جبناء، لا تكونوا حمقى، حزب جديد بأصول من الجبناء والأغبياء، كونوا شجعانا وأقوياء وصبورين وستكون العظَمة هي النتيجة".

ولا أدري إن كان هذا التصريح لا يدل على "حماقة" أو " غباء" أو "قرار متسرع وغير صائب" إذ أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الصين كانت ستوافق على صفقة لبيع "تيك توك" لولا الرسوم الجمركية التي فرضتها واشنطن على بكين الأسبوع الماضي، بحسب وكالة "فرانس برس". وقال للصحافيين على متن الطائرة الرئاسية "إير فورس وان": "لو كنت قد منحتهم خفضا صغيرا في الرسوم الجمركية، لكانوا وافقوا على الاتفاق في 15 دقيقة. هذا يظهر لكم قوة الرسوم الجمركية، أليس كذلك؟".

وهذا إقرار منه بأن قراره "الغير مدروس" أوقف صفقة كان يُعمل عليها منذ مدة، و عُمل على أصدار قانون لحجب التطبيق في الولايات المتحدة، إن لم يتم بيعه للولايات المتحدة.. فهل يكون فرضه هذه الرسوم قرار صائب أو أنه قرار "غبي" أضاع فرصة انتظرها ساسة أمريكا طويلاً..

أما ردود أفعال المختصين في الاقتصاد، فقد قال "أنجيلو كوركافاس"، كبير استراتيجيي الاستثمار في إدوارد جونز “من الواضح أن ما أُعلن عنه (اي ترامب) كان أقرب إلى أسوأ سيناريو ولم تكن الأسواق مستعدة لذلك، وتتفاعل وفقا لذلك”.

وقال "لاري سامرز"، وزير الخزانة السابق في عهد الرئيس "بيل كلينتون"، عبر منصة إكس، إن “الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب هي الأكثر تكلفة ومازوخية التي طبقتها الولايات المتحدة منذ عقود”، وقدر الخسارة بنحو 30 تريليون دولار بسبب الهبوط الحاد في وول ستريت قبل وبعد إعلانات ترامب.

و وصّف "بول كروغمان"، أحد أشهر أساتذة الاقتصاد في أمريكا، وحائز على "نوبل" في الاقتصاد عام 2008، وله عامود أسبوعي في "نيويورك تايمز" حرب ترامب "الجمركية" بقوله: "أكبر صدمة تجارية في التاريخ"..

وذكر تقرير صادر عن معهد أبحاث ألماني أن اقتصاد الاتحاد الأوروبي قد يخسر 750 مليار يورو (833.63 مليار دولار) بسبب الرسوم الجمركية.

هذه بعض القرارات "الغبية" التي اتخذها ترامب من أقل من ثلاثة أشهر منذ تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، ولا ندري لو أكمل سنواته الأربع، هل سيفاجأ العالم بمطالب أكثر "حماقة" من هذه المطالب، أو أن هذه المطالب ستكون معول هدم في قوة أمريكا الاقتصادية، والعسكرية، فمثل هذه القرارات لا يمكن أن تُبقى هذه الدولة تتحكم بمصير العالم، وكأن الأرض ومن عليها محكومة "بقرارات" رجل مهووس بجنون العظمة.. ورداء الغطرسة والتكبر والعجرفة.. 

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة