• لبنان
  • الخميس, تموز 03, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 6:03:17 م
inner-page-banner
مقالات

رئيس الحكومة غير آبه بنقص القاعدة الشعبية أو امتعاض القيادات السنية: هل دخل نواف سلام في معركة مع المارونية السياسية؟

لينا فخر الدين ـ الأخبار

في خضم مرحلة سياسية دقيقة يعيشها لبنان والمنطقة، طُرح اسم نواف سلام لرئاسة الحكومة كخيار لا يستند إلى القاعدة السياسية التقليدية لجهة امتلاكه حيثية شعبية.

وقد وصل مدعوماً من دوائر خارجية، عربية وغربية، ليشكّل أحد وجوه المرحلة الانتقالية التي سعى الخارج إلى فرضها من خارج صناديق الاقتراع. سلام، الآتي من خلفية أكاديمية وديبلوماسية، هبط بمظلة غربية دون الحاجة إلى مشروعية تتطلب وجود حاضنة شعبية. وهو، من جهته، لم يسعَ إلى تقمّص صورة زعيم سياسي تقليدي.

ويحسب له، أنه بدا منسجماً مع نفسه، فلم يُظهر «انتماءً سنياً» بالمعنى الطائفي التقليدي، ولم يتعامل مع الطائفة كأنه امتداد عضوي لها.

لكنه، في المقابل، عجز عن بناء علاقات متينة مع أركان النظام السياسي؛ إذ لم تنشأ «كيمياء» تفاعلية بينه وبين رئيس الجمهورية جوزيف عون، ولا تمكّن من بناء علاقة جيدة ولا جدية مع رئيس مجلس النواب نبيه بري.

أما بقية القوى السياسية، فعلاقته معها تتفاوت، بين الجانب الشخصي كما هو الحال مع زعامة المختارة وآل جنبلاط، أو علاقة عمل، كما هو الحال مع غالبية القوى المسيحية.

رهان على السعودية

فعلياً، راهن سلام بالكامل على الخارج، مستفيداً من تقاطع المصالح بين السعودية والولايات المتحدة وفرنسا، فتم تسويقه ثم منحه الغطاء لإيصاله إلى السراي الحكومي، رغم ما واجهه من معارضة محلية. وبالنسبة إليه، فهو يهتم الآن، وأكثر من أي وقت مضى، بأن تبقى السعودية داعمة له، وموفرة الحماية السياسية، وتمنحه مشهدية رمزية كالانتقال بطائرة خاصة في عيد الفطر إلى المملكة، ليلتقط صورة إلى جانب ولي العهد محمد بن سلمان، وهو يستخدم هذه الأمور لمواجهة اعتراضات النواب السنّة، الذين يشكون من تهميشه لهم، كما إنه لا يتصرف وكأنه معني بالانتقادات الشعبية، كونها لا تُشكّل بالنسبة إليه عائقاً حقيقياً أمام تموضعه في موقع القرار.

لكن هذا الرهان لم يُترجم التزاماً ثابتاً بمبادئه المعلنة، إذ سرعان ما بدا أن الرجل، المعروف ببراغماتيته، يسعى إلى بناء زعامة غير تقليدية، لا تشبه من سبقوه إلى رئاسة الحكومة.

وفي هذا السياق، حاول ترميم علاقته بمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، رغم أن العلاقة بينهما لم تكن يوماً جيدة. فالمفتي لم يكن يفضّل رئيس حكومة علمانياً يؤيّد الزواج المدني، ولا يمكن احتواؤه ضمن «عباءته الدينية»، فيما لم يرَ سلام في دار الفتوى منصة للعمل السياسي، كما دأب عدد من رؤساء الحكومات السابقين.

هذا التباعد ظهر بوضوح عندما امتنع سلام عقب تكليفه عن زيارة المفتي كما درجت العادة، ما أثار امتعاضاً في أوساط الطائفة، قبل أن يعود عن موقفه.

ورغم افتقاده المشروعية الشعبية، فهو خسر سريعاً دعم الكتل السنية النيابية والسياسية التي شعرَت بالتهميش عبر حصر الحصّة السنية في الحكومة ضمن دائرته الضيقة، من دون أن يكلّف نفسه عناء التفاهم أو إرضاء شركائه المفترضين، ومع ذلك، فقد بقي سلام بعيداً من «الجمهور السني»، عاجزاً أو غير مبالٍ بقلق تنامى بسبب تراجع الموقع السياسي للطائفة، ومن الفراغ الذي خلّفه غياب تيار الحريرية السياسية.

كما إن سلام لم يُحسن استثمار لحظة تعطُّش الشارع السني لخط دفاع أول عن حقوقه ومصالحه، بل بقي أسير الدائرة النخبوية التي يمثل، ولم يظهر رغبة في كسر الجدران والنزول من برجه إلى الشارع.

وإذا كان هذا السلوك يعكس جانباً من شخصية سلام، فإن النتائج على الأرض تعطي انطباعات مرتبطة بآلية العمل السياسي القائمة في البلاد. حتى أنه عندما قرر المشاركة في نشاط عام، لم يجد أفضل من احتفال نخبوي بمسرحية «هاملِت»، ما زاد من اتساع الهوة مع بيئته.

وإذا كان سلوك الرجل لا ينتقص من قيمته، إلا أنه بالنسبة إلى القواعد الشعبية، يعتبر غائباً عن الساحة، خصوصاً في حالة بروز استحقاقات يتفاعل معها الشارع، كما هو الحال في قضية توقيف العقيد المتقاعد عميد حمود، أو في النزاع على نطاق القرنة السوداء. ويزداد «الغضب السني» عليه، كون خصومه يملؤون المشهد بسردية المظلومية.

وإذا كان رئيس الحكومة يرفض الانخراط في «شعبوية» الخطابات السياسية، فقد سعى إلى تعويض غيابه الشعبي وافتقاده للكاريزما عبر «الغرف» من التعيينات الإداريّة، بينما بدت التعيينات الديبلوماسية الأكثر فجاجة.

فسلام، الذي دائماً ما رفع شعارات الإصلاح ومحاربة المحاصصة، لم يُترجم هذه الشعارات عملياً سوى على خصومه، إذ عمد إلى إقصاء الكوادر المحسوبة على تيار «المستقبل»، لمصلحة شخصيات مقرّبة منه ومن الرئيس فؤاد السنيورة.

ولم يتردد، رغم خلفيته العلمانية، في تغليب المنطق المناطقي حين دعت الحاجة، كما في تعيين محمد قباني رئيساً لمجلس الإنماء والإعمار في محاولة لاسترضاء البيارتة وتحسين صورته في العاصمة، رغم أن قباني لم يكن من الأسماء المتقدّمة على لوائح الترشيحات.

أما في التعيينات الأمنية، فبرز البعد الثأري بوضوح، إذ بدا أنه تورط في لعبة تصفية حسابات مع تيار «المستقبل»، وهي معركة لا تخصه، بل تخص شخصيات قريبة منه، أو جهات خارجية مثل السعودية.

حيث كان المطلوب، «قصقصة أجنحة» الضباط المحسوبين على التيار، وتم تقاسم المواقع الأمنية الحساسة بين سلام والسنيورة، في حين انتزع رئيس الجمهورية لنفسه حصة سنية، تجلّت بتسميته لوزير الداخلية والمدير العام لقوى الأمن الداخلي أحمد الحجار، ما اعتبر أنه تسليم من قبل سلام لخيارات القصر الجمهوري، على حساب «الحصة السنية».

غياب «الشرعية الشعبيّة» سهّل على رئيس الجمهورية المضيّ في محاولاته لتحجيم دور رئاسة الحكومة والتجاوزات المتكررة لما يُفترض أنها صلاحيات دستورية للرئاسة الثالثة، وكانت هناك ذروة مستفزة للجميع، عندما استُبعد سلام، أو أنه أبعد نفسه، عن اجتماع أمني عُقد في قصر بعبدا، في لحظة داخلية وإقليمية حساسة، وبدت الخطوة مسّاً مباشراً بصلاحياته، ولكن سلام نفسه لم يعترض.

علماً أنه حصل في عهد الرئيس السابق ميشال عون، أن لجأ الأخير إلى الأسلوب نفسه مع نجيب ميقاتي، حين دعا إلى اجتماع المجلس الأعلى للدفاع من دون تنسيق مسبق مع رئيس الحكومة.

إلا أن ميقاتي عطّل الاجتماع، مذكّراً بأن الدعوة من صلاحية رئيس الحكومة حصراً، ومطالباً بحضور رئيس الجمهورية بدلاً من ترؤسه. وقد تكرر مشهد التهميش لاحقاً في مناسبات مختلفة؛ ففي احتفال «بيروت نبض الحياة» الذي شارك فيه رئيس الجمهورية، إلى جانب وزراء ورئيس بلدية بيروت، غاب سلام كلياً عن المشهد.

«المساس» بصلاحيات رئاسة الحكومة لم يقتصر على الحضور البروتوكولي، بل تعدّاه إلى طريقة إدارة مجلس الوزراء نفسها.

ففي سابقة غير معهودة، تضمّن المحضر الرسمي لجلسة مجلس الوزراء المنعقدة في 16 حزيران الماضي في قصر بعبدا، عبارة: «ثم أعطى فخامة الرئيس الكلام لدولة الرئيس سلام...»، ما عُدّ مؤشراً إضافياً على انقلاب ناعم على الصيغة الدستورية التي تكرّس موقع رئاسة الحكومة كسلطة تنفيذية أولى.

وحتى في الشكليات الإدارية، لم تسلم العلاقة بين الطرفين من التجاوز. إذ تلقى سلام كتاباً رسمياً موجهاً إليه من مدير عام رئاسة الجمهورية، أنطوان شقير، باسم رئيس الجمهورية، ما دفعه إلى الاعتراض على هذه الآلية المخالفة للأصول، فردّ بكتاب رسمي آخر شدد فيه على أن الأمين العام لمجلس الوزراء هو الجهة المخوّلة بتسلّم المراسلات التي تصدر عن المديرية العامة لرئاسة الجمهورية، لا رئيس الحكومة مباشرة.

هذا السجال الإداري عكس حجم التوتر المكتوم بين الرئاستين. علماً أن سلام حاول تسجيل اعتراضه، بمنعه لمستشارين من القصر الجمهوري حضور بعض الاجتماعات الوزارية في مكتبه، وهو أمر تلقاه الرئيس عون باستغراب، كون هناك تقليد معمول به منذ أيام الرئيس إميل لحود، حيث يحضر مندوبون عن الرئيس في الاجتماعات، كي يبقى رئيس الجمهورية في صورة ما يناقش.

يُعيد هذا الصراع الصامت بين رئاستي الجمهورية والحكومة إلى الأذهان العلاقة المتوترة التي طبعت عهد الرئيس لحود ورئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري. غير أن الفارق الجوهري أن الحريري كان محصّناً بغطاء شعبي واسع، وتحالفات سياسية داخلية وخارجية فرضت كلفة سياسية عالية على أي محاولة لتقليص صلاحياته.

ورغم إدراكه لحجم التحدي في منازلة الرئيس عون، التزم رئيس الحكومة الصمت، مراهناً على تدخّل سعودي يكون بمنزلة مظلّته السياسية والدستورية في هذا الصراع.

في البداية، لم ينجح في استمالة المملكة بالكامل؛ إذ سمع بوضوح أن الغاية من تكليفه ليست خوض مواجهة مع رئاسة الجمهورية، بل إنهاء مرحلة الحريرية السياسية، لا خوض مواجهة مع رئيس الجمهورية. لكن مع مرور الوقت، وخصوصاً مع ارتفاع نبرة خطابه وتمايزه عن عون في مقاربة ملف سلاح المقاومة، بدأ سلام ينجح تدريجياً في كسب رضى الرياض، مستفيداً من رهانه على الوقت واستثماره في التناقضات المحلية والإقليمية.

وبينما ينقسم المراقبون في تقدير حقيقة الموقف السعودي من صراع الرجلين، إلا أن المعطيات تزايدت حول استياء السعودية من أداء عون، والشعور بمخاطرة في استمرار الرهان عليه، مقابل اعتبار سلام خياراً أكثر وضوحاً في خطابه، وقدرةً على رفع السقف حين يُطلب منه ذلك. وهو استياء يتعلق بكيفية تعامل الرئيس عون مع ملف سلاح المقاومة.

وقد برز هذا التحوّل في لهجة بعض الأقلام الصحافية المقرّبة من الديوان الملكي، التي لم تتردد في توجيه انتقادات مباشرة إلى عون، عقب تعزيته بطريرك الروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي بضحايا تفجير كنيسة مار الياس في دمشق، بدلاً من تعزية الرئيس السوري أحمد الشرع.

وفي هذا السياق، لفت الانتباه ما كتبه الإعلامي السعودي عبد الرحمن الراشد، المقرّب من دوائر القرار في الرياض، حين دعا قبل نحو شهر سلام وعون إلى التعلّم من تجربة الشرع الذي «لم يهاجم إسرائيل في خطاباته، ولم يحرّك قواته، ولا أوعز إلى جماعاته بالردّ على نيرانها، ولم يملأ بيانات حكومته بادّعاءات المواجهة والانتصارات»، في رسالة واضحة المعاني تجاه ما يُنتظر من نواف سلام وما يُؤخذ على جوزيف عون.

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة