شارل جبور ـ نداء الوطن
تأثر لبنان سلبًا بالصعود الشيعي في المنطقة بسبب الارتباط العضوي لكتلة شيعية داخله بهذا الصعود وإلحاقه بالمشروع الإيراني الذي أبقاه من دون سيادة وفي ظل دولة شكلية وفوضى دستورية وسياسية وأمنية وعسكرية. وقد بدأ صعود المشروع الإيراني الشيعي إقليميا مع أحداث 11 أيلول ورد فعل الولايات المتحدة بتدمير الحاجز العراقي وإسقاط نظام صدام حسين، وكان هذا المشروع استفاد قبل ذلك من المشروع الإقليمي لحافظ الأسد الذي أمّن له الدخول إلى لبنان وتأسيس ذراعه المسماة "حزب الله"، ولولا التحالف الاستراتيجي بين المشروعين لما حصل هذا التأسيس، ولما توافرت له الرعاية والاحتضان.
وكان لبنان خضع بعد خروج مشروع أبو عمار من بيروت لتقاسم نفوذ بين الأسد والخميني ثم خامنئي انطلاقا من التحالف الاستراتيجي بين المشروعين، واستمر النفوذ الإيراني لعشرين عامًا بعد انهيار نفوذ الأسد في العام 2005، ولكن حرب الطوفان حوّلت الصعود الشيعي إلى هبوط بعد سقوط وحدة الساحات وخروج الأذرع من الخدمة ودخول إيران في حالة من انعدام الوزن الاستراتيجي.
ولأنه أمام كل هبوط صعود، فإن الصعود المرتقب هو للمشروع السني على حساب المشروع الشيعي الإيراني، وأما إسرائيل، فهي خارج الحساب كونها ليست لاعبًا داخل الدول العربية، وصعودها يندرج في سياق تدمير الخطر الممانع الذي هدّد وجودها، فيما صعود إيران لم يكتفِ بتهديد الاستقرار الإقليمي، إنما وضع يده على أربع عواصم عربية، ولكن الصعود السني هذه المرة لا يشبه بشيء الصعود الشيعي، ولا يشكل تهديدًا لكيانات المنطقة، إنما ضمانة لهذه الكيانات للأسباب التالية:
أولًا، المشاريع السنية التوسعية كانت نتيجة لانهيار السلطنة العثمانية ومفهوم الأمة، الأمر الذي ولّد شعورًا لديهم بأن ترسيم حدود الدول أدى إلى الحدّ من دورهم وتطلعاتهم، وهذا ما يفسِّر انشدادهم إلى الوطن القومي العربي والناصرية والثورة الفلسطينية. ولكن عامل الوقت وانكفاء المشاريع السنية الثورية وصعود المشروع الشيعي، الذي شكل خطرًا على دولهم، أدى إلى تقدُّم الدور الخليجي مع المملكة العربية السعودية، وأولويته تثبيت الكيانات ومواجهة الحالات الثورية. وبالتالي، حوّلت هذه العوامل وغيرها السنة من توسّعيين إلى كيانيّين.
ثانيًا، يختلف الصعود السني اليوم عما كان عليه سابقًا، حيث انتقل من الفكر التوسعي إلى محاربة المشاريع التوسعية. وبالتالي، يشكّل الصعود السني بدءًا من الأمير محمد بن سلمان، وصولًا إلى الرئيس أحمد الشرع، رأس حربة في مواجهة المشاريع التي تريد إلحاق الدول العربية وضمها واستتباعها، الأمر الذي يعني قوة عربية لضمان سيادة الدول العربية.
ثالثًا، على الرغم من الخلفية الإسلامية للرئيس الشرع، إلا أن أولويته سوريا أولًا، وهذه الخلفية كانت ضرورية لتحرير سوريا من البعث الأسدي، ويدرك جيدًا أن عصر المشاريع التوسعية انتهى، وهو بحاجة أساسًا لسنوات وسنوات من أجل أن يستعيد سيطرته على كامل الأرض السورية قبل التفكير بأي شيء آخر.
رابعًا، الكلام عن تكليف الشرع إدارة لبنان يروِّج له "حزب الله" من أجل تحريض الشيعة والمسيحيين ضد السنة، فيما يختلف الشرع 2025 عن الأسد 1991، والأخير كان يُمسك بسوريا وهدفه الإمساك بلبنان، وقد انتهى زمن التكليف الذي أبقى لبنان ساحة فوضى ومصدرًا للفوضى وعدم الاستقرار.
خامسًا، أهمية الأمير محمد تكمن في انتزاعه الممر الدولي عمومًا والأميركي خصوصًا إلى الشرق الأوسط، والضامن لاستقرار المنطقة ومنع التدخُّل في شؤون الدول العربية.
سادسًا، أهمية الشرع تكمن بالحاجز المزدوج الذي استحدثه: الحاجز في وجه إيران التي تريد السيطرة على لبنان ووضع اليد على القضية الفلسطينية، والحاجز في وجه "حزب الله" الذي يستمد قوته من إيران.
وقد شكل الصعود الشيعي الإيراني عاملًا أساسيًا من عوامل عدم الاستقرار في المنطقة، وألحق ضررًا كبيرًا بلبنان نتيجة ربطه بإيران، فيما يشكل الصعود السني الجديد الضمانة في وجه مشاريع الضمّ والإلحاق والاستتباع، والمستفيد الأكبر من هذا الصعود لبنان كونه غير توسعي ويواجه المشاريع التوسعية وفي طليعتها إيران وأولويته إرساء الاستقرار في المنطقة.
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..